جمهورية طرطورياعرفنا في موضوع سابق أن هناك
جمهورية اسمها "طرطوريا" تقع شمال جنوب المحيط الهادي .. وأن لديها أزمة في البث التلفزيوني .. لكن السؤال هو لماذا أصبح تصوير الأفراح بهذه الأهمية في هذه الجزيرة الهادئة؟
للأسف الشديد أقيمت مباراة السوبر وانتهت المرحلة الأولى من الدوري في جمهورية طرطوريا ورغم ذلك لم يتم حل أزمة البث التلفزيوني، فاللجنة السباعية التي ربما تصبح سداسية بعد انسحاب مندوب نادي البناءون العرب متمسكة بموقفها وهو الحصول على أكبر مقابل مادي وسط تجاهل حكومة طرطوريا والدكتور أحمد ظريف لمطالبها، فيما قرر وزير الإرشاد "ونس الشقي" إذاعة المباريات باعتباره حق أصيل للمواطن الطرطوري.
المشكلة الأكبر أن المنتج الذي تتنازع كافة السلطات الطرطورية على الحصول عليه وهو البث التلفزيوني للمباريات معيب أصلا ، ففي الوقت الذي يزايد الجميع على قيمة الخدمة لم يفكر أحد في تطوير مستوى الإخراج أو التصوير أو اكتشاف معلقين موهوبين .. ولم يسمع أي مواطن طرطوري عن خطة لزيادة عدد الكاميرات أو دورة تدريبية لمخرجي المباريات وسط الملايين الذاهبة في جميع الاتجاهات.
والنتيجة أن مباراة حراس الشواطيء ونادي الجبابرة الحمر في بطولة السوبر انتهت دون أن يعلم أحد نتيجتها .. هل هي 2-صفر أم 2-1 .. فبعد أن قام نجم الفريق الأحمر أبو سميكة بتسجيل هدفه قبل ثوان من نهاية اللقاء، أخذ المخرج يعيد اللعبة عشرين مرة دون أن يفكر في نقل لقطة لإشارة يد الحكم بعد اللعبة والتي يشير بها إلى هدف من عدمه.
وإذا كانت بعض الجماهير تتسم بالذكاء الحاد والفطنة التي يتميز بها أهل طرطوريا الغلابة وتتأكد من تسجيل الهدف من عدمه بمشاهدة الكرة عند دائرة منتصف الملعب لاستئناف اللعب، لم يفت المخرج حرمانهم من اللقطة باستمرار الإعادة باعتبار أن رأيهم في اللعبة هو المهم وأن استعراض خاصية الإعادة التي دخلت التلفزيون الطرطوري حديثا أمر يستحق!
وفي الأسبوع الأول للدوري الطرطوري وخلال مباراة فريق بتروليت مع اسكندراني يونايتد تم وضع إحدى الكاميرات خلف عامود خرساني وكلما ذهبت الكرة إلى الركن الأيسر من الشاشة مرت الكاميرا أمام العامود لتنقسم الشاشة إلى نصفين الأول يمين العامود والثاني يساره وهو خطأ لم يرتكبه المخرجون الرياضيون منذ عهد يوليوس قيصر عند تصوير مصارعة المحاربين الرومان مع الأسود المفترسة عام 264 قبل الميلاد.
وخلال الأسبوع ذاته وفي مباراة الجبابرة الحمر مع فريق غزل المحطة عاد أبو سميكة لممارسة هوايته المفضلة بتسجيل الأهداف، وكما حدث في لقاء السوبر أخذ المخرج يعيد اللعبة عشرات المرات منتهزا فرصة الحب الجارف للنجم أبو سميكة الذي يضحك كعادته دون أن يتم تصوير لقطة واحدة لا لحامل الراية أو للحكم بالإشارة لاستئناف اللعب واحتساب الكرة تسلل.
والإبداع الإخراجي هنا مستمد من نظرية تصوير الأفراح والتي تقول "إن تصوير العروسين في كل لقطات الفرح حتى لو لمدة ثلاث ساعات أمر لا يبعث على الملل على الإطلاق خصوصا أن اللي هيحاسب على الشريط هو أبو العريس".
وهنا يتجاهل المخرج حكم اللقاء الذي بوسعه منح المشاهد معلومة تجيب سؤال "ماذا تم احتساب هذه اللعبة؟" ليتم التركيز على العريس أو النجم وحده وانفعالاته وانطباعاته ولا بأس بنقل عملية "المناغشة" و"الملاطفة" التي تحدث على دكة البدلاء وهذا يحدث دوما عندما "يسرح" المخرج في مباريات طرطوريا خصوصا إذا كان فيها النجم "ميزو" تاركا أحداث اللقاء واللاعبين لأنهم في النهاية مجرد معازيم لن يفيدوا المشاهد في شيء.
تصوير الأفراح يكتسب أهمية بالغة في طرطورياوفي لقاءات أخرى يركز المخرج على شخصيات بعينها في المدرجات وهم إما أصدقائه أو هي فتاة جميلة ساقها حظها العاثر إلى مدرج الدرجة الأولى "وطبعا ليلة السيدة والدتها مش معدية" ليتم التركيز عليها طوال المباراة وذلك في إطار جهود دولة طرطوريا لمواجهة ظاهرة التحرش ، لكن المخرج بالطبع لا يجرؤ على فعل كهذا إذا كان المعلق هو الكابتن محمود شكر.
ورغم تميز برنامج "استاد الفيل" الذي ينقل مباريات دوري طرطوريا بالأمر المباشر من السيد ونس الشقي فوجئت الجماهير بمحللي البرنامج الذين ينتميان إلى الزمن الجميل يبتعدان عن التحليل الفني للمباراة التي انتهت منذ ثوان قليلة ويتذكران لقاء جمعهما في منتخب مصر فقال الأول للثاني "أتذكر تمريرتي لك روعة وبالمقاس؟" ليرد الثاني "نعم أذكرها جيدا في ذلك اللقاء الذي أقيم احتفالا برحيل جنود الحملة الفرنسية".
وقد يتصور البعض أن بيع حق بث المباريات في طرطوريا إلى (سي.إن.إن) أو (بي.بي.سي) أو حتى المقاهي الفضائية سيؤدي إلى نفع المشاهد الغلبان لكن المصيبة أن الجميع يحصل على نفس إشارة البث بحركات الأفراح والأخطاء الرومانية إياها.
وبالطبع هذه الأشياء وغيرها لن تلق اهتمام اللجنة السباعية أو اتحاد ساهر أو حتى وزارة الإرشاد فالمهم من يحصل على الجانب الأكبر من الكعكة المالية .. أما المواطن الطرطوري وجودة المنتج الذي سيستهلكه فهو أمر لا يعني مسئولي طرطوريا، وهو ليس من حقوق المواطن .. و"سلملي على برنامج الخصخصة".